كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّهُ الشر كَانَ يؤوسًا} أي إذا مسه فقر أو مرض أو نازلة من النوازل كان يؤوسًا شديد اليأس من رحمة الله: {وَلاَ ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} [يوسف: 87] والحاصل أنه إن فاز بالنعمة والدولة اغتر بها فنسي ذكر الله، وإن بقي في الحرمان عن الدنيا استولى عليه الأسف والحزن ولم يتفرغ لذكر الله تعالى فهذا المسكين محروم أبدًا عن ذكر الله ونظيره قوله تعالى: {فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابتلاه رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبّى أَكْرَمَنِ} [الفجر: 15] إلى قوله: {رَبّى أَهَانَنِ} [الفجر: 16] وكذلك قوله: {إِنَّ الإنسان خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعًا} [المعارج: 19 21] ثم قال تعالى: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} قال الزجاج: الشاكلة الطريقة والمذهب.
والدليل عليه أنه يقال هذا طريق ذو شواكل أي يتشعب منه طرق كثيرة ثم الذي يقوي عندي أن المراد من الآية ذلك قوله تعالى: {فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أهدى سَبِيلًا} وفيه وجه آخروهو أن المراد أن كل أحد يفعل على وفق ما شاكل جوهر نفسه ومقتضى روحه فإن كانت نفسه نفسًا مشرقة خيرة طاهرة علوية صدرت عنه أفعال فاضلة كريمة وإن كانت نفسه نفسًا كدرة نذلة خبيثة مضلة ظلمانية صدرت عنه أفعال خسيسة فاسدة، وأقول: العقلاء اختلفوا في أن النفوس الناطقة البشرية هل هي مختلفة بالماهية أم لا؟ منهم من قال: إنها مختلفة بالماهية وإن اختلاف أفعالها وأحوالها لأجل اختلاف جواهرها وماهياتها، ومنهم من قال إنها متساوية في الماهية واختلاف أفعالها لأجل اختلاف أمزجتها.
والمختار عندي هو القسم الأول والقرآن مشعر بذلك، وذلك لأنه تعالى بين في الآية المتقدمة أن القرآن بالنسبة إلى البعض يفيد الشفاء والرحمة وبالنسبة إلى أقوام آخرين يفيد الخسارة والخزي ثم أتبعه بقوله: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} ومعناه أن اللائق بتلك النفوس الطاهرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الذكاء والكمال، وبتلك النفوس الكدرة أن يظهر فيها من القرآن آثار الخزي والضلال كما أن الشمس تعقد الملح وتلين الدهن وتبيض ثوب القصار وتسود وجهه.
وهذا الكلام إنما يتم المقصود منه إذا كانت الأرواح والنفوس مختلفة بماهياتها فبعضها مشرقة صافية يظهر فيها من القرآن نور على نور وبعضها كدرة ظلمانية يظهر فيها من القرآن ضلال على ضلال ونكال على نكال.
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}.
اعلم أنه تعالى لما ختم الآية المتقدمة بقوله: {كُلٌّ يَعْمَلُ على شَاكِلَتِهِ} وذكرنا أن المراد منه مشاكلة الأرواح للأفعال الصادرة عنها وجب البحث ها هنا عن ماهية الروح وحقيقته فلذلك سألوا عن الروح وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
للمفسرين في الروح المذكورة في هذه الآية أقوال أظهرها أن المراد منه الروح الذي هو سبب الحياة، روى أن اليهود قالوا لقريش اسألوا محمدًا عن ثلاث فإن أخبركم باثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي: اسألوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الثلاثة فقال عليه السلام: غدًا أخبركم ولم يقل إن شاء الله فانقطع عنه الوحي أربعين يومًا ثم نزل الوحي بعده: {وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الكهف: 23، 24] ثم فسر لهم قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين وأبهم قصة الروح ونزل فيه قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الروح قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} وبين أن عقول الخلق قاصرة عن معرفة حقيقة الروح فقال: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} ومن الناس من طعن في هذه الرواية من وجوه.
أولها: أن الروح ليس أعظم شأنًا ولا أعلى مكانًا من الله تعالى فإذا كانت معرفة الله تعالى ممكنة بل حاصلة فأي مانع يمنع من معرفة الروح.
وثانيها: أن اليهود قالوا: إن أجاب عن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ولم يجب عن الروح فهو نبي وهذا كلام بعيد عن العقل لأن قصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين ليست إلا حكاية من الحكايات وذكر الحكاية يمتنع أن يكون دليلًا على النبوة وأيضًا فالحكاية التي يذكرها إما أن تعتبر قبل العلم بنبوته أو بعد العلم بنبوته فإن كان قبل العلم بنبوته كذبوه فيها وإن كان بعد العلم بنبوته فحينئذ صارت نبوته معلومة قبل ذلك فلا فائدة في ذكر هذه الحكاية.
وأما عدم الجواب عن حقيقة الروح فهذا يبعد جعله دليلًا على صحة النبوة.
وثالثها: أن مسألة الروح يعرفها أصاغر الفلاسفة وأراذل المتكلمين فلو قال الرسول صلى الله عليه وسلم إني لا أعرفها لأورث ذلك ما يوجب التحقير والتنفير فإن الجهل بمثل هذه المسألة يفيد تحقير أي إنسان كان فكيف الرسول الذي هو أعلم العلماء وأفضل الفضلاء.
ورابعها: أنه تعالى قال في حقه: {الرحمن * عَلَّمَ القرءان} [الرحمن: 1، 2] {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: 113] وقال: {وَقُل رَّبّ زِدْنِى عِلْمًا} [طه: 114] وقال في صفة القرآن: {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ في كتاب مُّبِينٍ} [الأنعام: 59]، وكان عليه السلام يقول: «أرنا الأشياء كما هي» فمن كان هذا حاله وصفته كيف يليق به أن يقول أنا لا أعرف هذه المسألة مع أنها من المسائل المشهورة المذكورة بين جمهور الخلق بل المختار عندنا أنهم سألوه عن الروح وأنه صلى الله عليه وسلم أجاب عنه على أحسن الوجوه وتقريره أن المذكور في الآية أنهم سألوه عن الروح والسؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة.
أحدها: أن يقال ماهية الروح أهو متحيز أو حال في المتحيز أو موجود غير متحيز ولا حال في التحيز.
وثانيها؛ أن يقال الروح قديمة أو حادثة.
وثالثها: أن يقال الأرواح هل تبقى بعد موت الأجسام أو تفنى.
ورابعها: أن يقال ما حقيقة سعادة الأرواح وشقاوتها وبالجملة فالمباحث المتعلقة بالروح كثيرة، وقوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الروح} ليس فيه ما يدل على أنهم عن هذه المسائل سألوا أو عن غيرها إلا أنه تعالى ذكر له في الجواب عن هذا السؤال قوله: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} وهذا الجواب لا يليق إلا بمسألتين من المسائل التي ذكرناها إحداهما السؤال عن ماهية الروح والثانية عن قدمها وحدوثها.
أما البحث الأول:
فهم قالوا ما حقيقة الروح وماهيته؟ أهو عبارة عن أجسام موجودة في داخل هذا البدن متولدة من امتزاج الطبائع والأخلاط، أو عبارة عن نفس هذا المزاج والتركيب أو هو عبارة عن عرض آخر قائم بهذه الأجسام، أو هو عبارة عن موجود يغاير هذه الأجسام والأعراض؟ فأجاب الله عنه بأنه موجود مغاير لهذه الأجسام ولهذه الأعراض وذلك لأن هذه الأجسام أشياء تحدث من امتزاج الأخلاط والعناصر، وأما الروح فإنه ليس كذلك بل هو جوهر بسيط مجرد لا يحدث إلا بمحدث قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران: 47] فقالوا لم كان شيئًا مغايرًا لهذه الأجسام ولهذه الأعراض فأجاب الله عنه بأنه موجود يحدث بأمر الله وتكوينه وتأثيره في إفادة الحياة لهذا الجسد ولا يلزم من عدم العلم بحقيقته المخصوصة نفيه فإن أكثر حقائق الأشياء وماهياتها مجهولة.
فإنا نعلم أن السكنجبين له خاصية تقتضي قطع الصفراء فأما إذا أردنا أن نعرف ماهية تلك الخاصية وحقيقتها المخصوصة فذاك غير معلوم فثبت أن أكثر الماهيات والحقائق مجهولة ولم يلزم من كونها مجهولة نفيها فكذلك ها هنا وهذا هو المراد من قوله: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا}.
وأما المبحث الثاني:
فهو أن لفظ الأمر قد جاء بمعنى الفعل قال تعالى: {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] وقال: {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا} [هود: 66] أي فعلنا فقوله: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} أي من فعل ربي وهذا الجواب يدل على أنهم سألوه أن الروح قديمة أو حادثة فقال بل هي حادثة وإنما حصلت بفعل الله وتكوينه وإيجاده ثم احتج على حدوث الروح بقوله: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} يعني أن الأرواح في مبدأ الفطرة تكون خالية عن العلوم والمعارف ثم يحصل فيها العلوم والمعارف فهي لا تزال تكون في التغيير من حال إلى حال وفي التبديل من نقصان إلى كمال والتغيير والتبديل من أمارات الحدوث فقوله: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} يدل على أنهم سألوه أن الروح هل هي حادثة فأجاب بأنها حادثة واقعة بتخليق الله وتكوينه وهو المراد من قوله: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} ثم استدل على حدوث الأرواح بتغيرها من حال إلى حال وهو المراد من قوله: {وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلًا} فهذا ما نقوله في هذا الباب، والله أعلم.
المسألة الثانية:
في ذكر سائر الأقوال المقولة في نفس الروح المذكورة في هذه الآية.
اعلم أن الناس ذكروا أقوالًا أخرى سوى ما تقدم ذكره، فالقول الأول: أن المراد من هذا الروح هو القرآن قالوا وذلك لأن الله تعالى سمى القرآن في كثير من الآيات روحًا واللائق بالروح المسؤول عنه في هذا الموضع ليس إلا القرآن فلابد من تقرير مقامين.
المقام الأول: تسمية الله القرآن بالروح يدل عليه قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مّنْ أَمْرِنَا} [الشورى: 52] وقوله: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2] وأيضًا السبب في تسمية القرآن بالروح أن بالقرآن تحصل حياة الأرواح والعقول لأن به تحصل معرفة الله تعالى ومعرفة ملائكته ومعرفة كتبه ورسله والأرواح إنما تحيا بهذه المعارف وتمام تقرير هذا الموضع ذكرناه في تفسير قوله: {يُنَزّلُ الملائكة بالروح مِنْ أَمْرِهِ} [النحل: 2]، وأما بيان المقام الثاني وهو أن الروح اللائق بهذا الموضع هو القرآن لأنه تقدمه قوله: {وَنُنَزّلُ مِنَ القرءان مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82] والذي تأخر عنه قوله: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بالذى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: 86] إلى قوله: {قُل لَّئِنِ اجتمعت الإنس والجن على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88] فلما كان قبل هذه الآية في وصف القرآن وما بعدها كذلك وجب أيضًا أن يكون المراد من هذا الروح القرآن حتى تكون آيات القرآن كلها متناسبة متناسقة وذلك لأن القوم استعظموا أمر القرآن فسألوا أنه من جنس الشعر أو من جنس الكهانة فأجابهم الله تعالى بأنه ليس من جنس كلام البشر وإنما هو كلام ظهر بأمر الله ووحيه وتنزيله فقال: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} أي القرآن ظهر بأمر ربي وليس من جنس كلام البشر.
والقول الثاني: أن الروح المسؤول عنه في هذه الآية ملك من ملائكة السموات وهو أعظمهم قدرًا وقوة وهو المراد من قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ الروح والملائكة صَفًّا} [النبأ: 38] ونقلوا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: هو ملك له سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف وجه، لكل وجه سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى بتلك اللغات كلها ويخلق الله من كل تسبيحة ملكًا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة قالوا ولم يخلق الله تعالى خلقًا أعظم من الروح غير العرش ولو شاء أن يبتلع السموات السبع والأرضين السبع ومن فيهن بلقمة واحدة لفعل، ولقائل أن يقول هذا القول ضعيف وبيانه من وجوه.
الأول: أن هذا التفصيل لما عرفه علي، فالنبي أولى أن يكون قد عرفه فلم لم يخبرهم به، وأيضًا أن عليًا ما كان ينزل عليه الوحي، فهذا التفصيل ما عرفه إلا من النبي صلى الله عليه وسلم فلم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الشرح والبيان لعلي ولم يذكره لغيره.
الثاني: أن ذلك الملك إن كان حيوانًا واحدًا وعاقلًا واحدًا لم يكن في تكثير تلك اللغات فائدة وإن كان المتكلم بكل واحدة من تلك اللغات حيوانًا آخر لم يكن ذلك ملكًا واحدًا بل يكون ذلك مجموع ملائكة.
والثالث: أن هذا شيء مجهول الوجود فكيف يسأل عنه، أما الروح الذي هو سبب الحياة فهو شيء تتوفر دواعي العقلاء على معرفته فصرف هذا السؤال إليه أولى.
والقول الرابع: وهو قول الحسن وقتادة أن هذا الروح جبريل والدليل عليه أنه تعالى سمى جبريل بالروح في قوله: {نَزَلَ بِهِ الروح الأمين على قَلْبِكَ} [الشعراء: 193، 194] وفي قوله: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا} [مريم: 17] ويؤكد هذا أنه تعالى قال: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} في جبريل وقال حكاية عن جبريل: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبّكَ} [مريم: 64] فسألوا الرسول كيف جبريل في نفسه وكيف قيامه بتبليغ الوحي إليه.
والقول الخامس: قال مجاهد: الروح خلق ليسوا من الملائكة على صورة بني آدم يأكلون ولهم أيد وأرجل ورؤوس وقال أبو صالح يشبهون الناس وليسوا بالناس ولم أجد في القرآن ولا في الأخبار الصحيحة شيئًا يمكن التمسك به في إثبات هذا القول وأيضًا فهذا شيء مجهول فيبعد صرف هذا السؤال إليه فحاصل ما ذكرناه في تفسير الروح المذكور في هذه الآية هذه الأقوال الخمسة، والله أعلم بالصواب.
المسألة الثالثة:
في شرح مذاهب الناس في حقيقة الإنسان، اعلم أن العلم الضروري حاصل بأن ها هنا شيئًا إليه يشير الإنسان بقوله أنا وإذا قال الإنسان علمت وفهمت وأبصرت وسمعت وذقت وشممت ولمست وغضبت فالمشار إليه لكل أحد بقوله أنا إما أن يكون جسمًا أو عرضًا أو مجموع الجسم والعرض أو شيئًا مغايرًا للجسم والعرض أو من ذلك الشيء الثالث فهذا ضبط معقول.
أما القسم الأول: وهو أن يقال إن الإنسان جسم فذلك الجسم إما أن يكون هو هذه البنية أو جسمًا داخلًا في هذه البنية أو جسمًا خارجًا عنها، أما القائلون بأن الإنسان عبارة عن هذه البنية المحسوسة وعن هذا الجسم المحسوس فهم جمهور المتكلمين وهؤلاء يقولون الإنسان لا يحتاج تعريفه إلى ذكر حد أو رسم بل الواجب أن يقال الإنسان هو الجسم المبني بهذه البنية المحسوسة واعلم أن هذا القول عندنا باطل وتقريره أنهم قالوا: الإنسان هو هذا الجسم المحسوس، فإذا أبطلنا كون الإنسان عبارة عن هذا الجسم وأبطلنا كون الإنسان محسوسًا فقد بطل كلامهم بالكلية والذي يدل على أنه لا يمكن أن يكون الإنسان عبارة عن هذا الجسم وجوه.